نساء على خط النار .. يكتبن حكايات الصمود والتغيير في مناطق النزاعات
تحت وطأة النزاعات المسلحة، تواجه النساء معاناة مركبة تجمع بين الألم الجسدي والضغط النفسي، مقرونة بعبء اجتماعي واقتصادي يكاد لا يُحتمل. لكن، رغم قسوة الظروف، تبرهن النساء على قدرة استثنائية على الصمود وابتكار سبل جديدة للحياة، ما يعكس روح المقاومة والعزيمة التي يتمتعن بها.
في اليمن، تعيش النساء تفاصيل المعاناة اليومية، التي تخلط الألم بالصمود. وفقًا لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، نزح أكثر من 4.3 مليون شخص بسبب الحرب، نصفهم من النساء والفتيات. يواجهن تحديات قاسية تشمل الحرمان من الأمن الغذائي والخدمات الصحية، ومع ذلك، ظهرت مبادرات مذهلة تقودها النساء، مثل إنشاء مشاريع صغيرة كخياطة وبيع المنتجات المحلية لدعم عائلاتهن، ما يعكس دورهن الحيوي في مواجهة الأزمة الإنسانية.
وفي سوريا، حيث أفرزت الحرب سنوات من الألم المتراكم، تعاني النساء من عنف مضاعف يشمل العنف القائم على النوع الاجتماعي، والزواج المبكر، وحتى الاتجار بالبشر نتيجة الفقر والضعف القانوني. ومع ذلك، تسطر السوريات قصص نجاح ملهمة، مثل أم ياسمين التي فرت من حمص إلى لبنان وأسست ورشة خياطة تُشغِّل لاجئات أخريات. تظل هذه القصص شاهدة على قدرة النساء على تحويل المحن إلى فرص لدعم المجتمع.
أما في العراق، فقد أضافت النزاعات المتكررة أعباءً على النساء، خصوصًا النازحات اللاتي يشكلن أكثر من 50% من سكان المخيمات، وفقًا لمنظمة الهجرة الدولية (IOM). في مخيمات مثل “الجدعة”، تقود نساء مبادرات يومية للحفاظ على استمرارية الحياة. فاطمة، أم لخمسة أطفال، تعمل على تعليم أطفال المخيم مبادئ القراءة والكتابة في ظل غياب التعليم الرسمي، لتمنحهم نافذة أمل صغيرة في مستقبل غامض.
في السودان، ومع تصاعد النزاع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، تعيش النساء أزمة إنسانية طاحنة. تقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن أكثر من 2.5 مليون طفل يعانون من سوء تغذية حاد، وتتحمل النساء عبء رعايتهم في ظل نقص الغذاء والمياه والخدمات الصحية. رغم ذلك، تظهر مبادرات نسائية مذهلة، مثل تنظيم مراكز إيواء ودعم عائلي في المجتمعات المتضررة، ما يعكس قوة المرأة السودانية في مواجهة التحديات.
وفي أفغانستان، تجسد المرأة نضالاً مضاعفاً بين مقاومة الحرب ومواجهة التمييز المجتمعي. منذ عودة طالبان إلى السلطة في 2021، وُضعت قيود صارمة على تعليم الفتيات وعمل النساء، ما دفع الكثيرات للبحث عن طرق جديدة للحياة. ملالا، وهي شابة أفغانية، لجأت إلى باكستان وبدأت العمل مع منظمة إغاثة لدعم الفتيات اللاجئات وتعليمهن، مؤكدة أهمية التعليم كوسيلة للنجاة من الفقر والأزمات.
وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن النزاعات المسلحة تزيد من معدلات الفقر بين النساء بشكل كبير؛ إذ إن النساء في البلدان المتأثرة بالحروب أكثر عرضة للعيش بأقل من دولارين يومياً بنسبة 9% مقارنة بالدول المستقرة. كما تؤدي هذه النزاعات إلى تصاعد حالات العنف والاستغلال، ما يستدعي ضرورة دعم النساء قانونياً واقتصادياً للتصدي لهذه الأزمات.
لكن الأمل يتجسد في نماذج مثل رواندا، حيث لعبت النساء دوراً محوريًا في إعادة بناء البلاد بعد الإبادة الجماعية عام 1994. اليوم، تحتل النساء 61% من مقاعد البرلمان، ما يبرز التأثير الإيجابي لتمكينهن في المجتمعات الخارجة من النزاعات.
صمود نساء غزة
وعن الصمود والأمل، تحكي أميرة شتا، امرأة من غزة، قائلة: “أعيش تفاصيل يومية مليئة بالخوف والأمل المتجدد. أريدكم أن تتخيلوا ما يعنيه أن تعيشوا في مكان تصبح فيه أصوات الطائرات والانفجارات جزءًا من الحياة. الخوف لم يعد مجرد إحساس عابر، بل ظل ثقيل يرافقنا في كل لحظة. ذات ليلة، أُجبرنا على الهروب حفاة تحت وابل من النيران، وسط صراخ الأطفال ورعب لا يُنسى. أتذكر طفلي الصغير وهو يتشبث بي باكيًا، طالبًا فقط الأمان”.
وتتابع بصوت متهدج: “في غزة، الحرب تأخذ منا أحبتنا، منازلنا، وأحلامنا، لكنها لا تستطيع أن تسلبنا كرامتنا كنساء. نحن لا نقتصر على كوننا أمهات أو زوجات، بل نتصدر معركة يومية من أجل البقاء. فقدت الكثيرات منا أزواجهن أو أطفالهن، ومع ذلك، ننهض كل يوم لنواصل الطريق. لا خيار أمامنا سوى الصبر والعمل. نصنع الطعام من أبسط المكونات، نبيع ما نملك، فقط لنُبقي أطفالنا أحياء. لنمنحهم فرصة للحياة، حتى وإن كانت صعبة”.
تستكمل: “المشهد اليوم في غزة كارثي. المدارس مدمرة، المستشفيات مكتظة أو غير قادرة على العمل، البيوت تحولت إلى ركام. أعيش في مأوى من البلاستيك يحميني من البرد بعد أن فقدت منزلي. أطفالنا محرومون من أبسط حقوقهم. ابنتي تطلب مني قطعة فاكهة أو لحم، وأنا عاجزة عن توفيرها. نعيش على البقوليات والمعلبات، وقلوبنا تنفطر مع كل طلب بسيط لا نستطيع تلبيته. ومع ذلك، نحن النساء لا نستسلم، نجد القوة في ضعفنا، ونجد الأمل في أطفالنا. نصبر على الألم والخسارة، نحاول أن نخلق حياة وسط هذا الدمار. رسالتي إلى كل إنسان ذي ضمير حي: كفى حربًا، كفى دمارًا، كفى قتلًا. أطفالنا يستحقون حياة، ونحن نستحق أن نحيا بكرامة”.
وتضيف بحزن: “لن أنسى أبدًا تلك اللحظات التي نظرت فيها إلى عيون أطفالي، شعرت بالخوف يعصف بي، لكنني كتمته، لأنني أعلم أن قوتي هي السند الوحيد لهم في هذا العالم”.
وتتم: “حياتي اليوم ليست حياة، بل صراع يومي من أجل البقاء، لكنني أؤمن، كما تؤمن نساء غزة جميعًا، بأن الأمل يولد من بين الركام. سنواصل الكفاح، سنواصل العيش، لأننا نحن النساء أقوى ما تتخيله الحروب”.
روايات عن الأمل والبناء
وتقول ملك جابر، امرأة سورية من مدينة حلب: “عشتُ كما عاش الملايين من النساء في سوريا سنوات من الحرب التي مزقت الأرض وحطمت القلوب. كان الألم نصيبنا الأكبر، ولكنه لم يكن القصة الوحيدة التي نكتبها في خضم الدمار. ولدت قصص الصمود والإصرار التي مثلت شريان الحياة للكثيرين. الحرب لم تكن فقط قصفًا وجوعًا، بل كانت قسوة استهدفتنا كنساء. فقدنا الأمن في منازلنا، وأصبح الخوف رفيقنا الدائم. هناك نساء فقدن أزواجهن أو أطفالهن، ونساء وجدن أنفسهن فجأة العائل الوحيد لعائلاتهن في ظروف لا ترحم”.
وتتابع: “أذكر جارتي، أم سارة، التي فقدت زوجها في قصف مدمر، لكنها رفضت أن تنكسر. بدأت بزراعة الخضراوات في قطعة صغيرة من الأرض بجوار منزلها المدمر، لتطعم أطفالها وتبيع الفائض، وتحولت إلى مصدر إلهام للجميع. أما عني، فقصتي ليست استثناء. في أحد الأيام المظلمة، أُجبرنا على مغادرة منزلنا بعد اشتداد القصف. حملت أطفالي وخرجت دون أن أعرف إلى أين أذهب. اضطررت للجوء إلى مدرسة مهجورة أصبحت مأوى لعدة عائلات. لم يكن هناك ماء أو كهرباء، وكان البرد ينهش عظامنا. كنت أرى أطفالنا يبكون جوعًا وبردًا، وشعرت أن عليّ فعل شيء. بدأت مع نساء أخريات بتنظيم أنفسنا لتوفير الحاجات الأساسية. صنعنا وجبات بسيطة من أي شيء وجدناه، وزعناها على العائلات، وحرصنا على تعليم الأطفال في ظروف بدائية لنحافظ على جزء من مستقبلهم”.
تستكمل ملك: “كانت معاناة النساء في المخيمات النازحة أقسى ما يمكن أن يوصف. العنف ضد النساء زاد بشكل ملحوظ، وأصبح العديد منهن عرضة للاستغلال. لكن رغم كل ذلك، أظهرت النساء السوريات شجاعة لا مثيل لها. صديقتي رشا، على سبيل المثال، بدأت مشروعًا صغيرًا في خياطة الملابس داخل المخيم الذي نزحنا إليه. المشروع لم يكن فقط لتأمين دخل بسيط لعائلتها، بل كان وسيلة لدعم نساء أخريات بتوفير فرص عمل. النساء السوريات هن رمز القوة الحقيقية. كنا نعيش بلا ماء نظيف أو طعام كافٍ