رغم أنه ليس أول مسجد بُني في مصر وسبقته مساجد أخرى عديدة مثل “سادات قريش” و” عمرو بن العاص”، فإن أقدم مسجد لا يزال يحتفظ بحالته الأصلية الأولى التي كان عليها عند بنائه عام 263 هجري، الموافق 877 ميلادي.
ولا تُعد تلك هي الميزة الوحيدة التي ينفرد بها مسجد بن طولون، فهو صاحب أول مئذنة بنيت في مساجد مصر، كما أنه الأكبر بين مساجدها ذات الطابع الأثري، إذ يمتد على مساحة تقدر بنحو 6 فدادين ونصف الفدان ليصبح أيقونة مدهشة تنهض فوق “جبل يشكر” بمنطقة “السيدة زينب” في القاهرة.
واستعان أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية في مصر، عند إنشائه بمهندس معماري قبطي شديد المهارة، ذائع الصيت، هو سعيد بن كاتب الفرغاني الذي سبق أن أنشأ مقياسا لمياه النيل، كما ساعد ابن طولون نفسه على مشاريع الري مثل القناطر والآبار.
يعد أحد المساجد المعلقة؛ أي أن الوصول إلى أبوابه التي يبلغ عددها 19 بابا يتطلب الصعود على درجات سلم دائري، إذ يتوسط الصحن فسقية مميزة وسط 300 عمود و120 نافذة.
وهناك عبارة شهيرة أطلقها ابن طولون تبرر لماذا جاء المسجد “معلقا”، إذ تنقل الروايات التاريخية عنه قوله: “أريد أن أبني بناء إن احترقت مصر بقي، وإنْ غرِقت بقي”، فقيل له: “يُبنى بالجير والرماد والآجُر الأحمر”.

تتميز مئذنته بطابع معماري على غرار نظيرتها الشهيرة في مسجد سامراء، وهي أسطوانية الشكل ومكونة من 3 طوابق بارتفاع يصل إلى 40 مترا، وتصميم فريد وسط مآذن القاهرة التي تُعرف بـ “مدينة الألف مئذنة”.
جاء إنشاء المسجد ليكون جامعا للمسلمين في صلاة الجمعة، وألحقت به المدارس التي تخرج فيها الطلبة في العلوم الطبيعية والدينية، لكنه كاد يفقد هويته فيما بعد، في زمن المماليك تحديدا، فقد اقتُطع جزء منه ليتحول إلى مصنع كما تحول هذا الجزء لاحقا إلى دار للمسنين.
وفي عهد أبناء محمد علي، استعاد المسجد رونقه وتمت إزالة كل ما كان يهدد بتشويه طابعه الفريد وعادت صلاة الجمعة لتقام فيه، بدءا من عام 1918 في عهد الملك فؤاد الأول.