الجنيه المصري إلى أين؟ هل يواصل الانخفاض أم يتعافى في 2025؟
تعيش السوق المصرية حالة ترقب في ظل الارتفاع المستمر لسعر الدولار مقابل الجنيه المصري منذ الأيام الماضية، ما يثير العديد من التساؤلات حول اتجاه سعر الصرف خلال العام المقبل.
وسجل الدولار، اليوم الأحد، مستوى قياسياً جديداً ليتجاوز 50.25 جنيه، وسط توقعات باستمرار الصعود بعد تصريحات رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بالتزام البلاد بسعر صرف مرن، ما أثار مخاوف من حدوث قفزات قبل التعويم.
تحسن المؤشرات
جاء هذا التراجع رغم تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية، مثل زيادة تحويلات المصريين في الخارج، والتي سجلت 18.1 مليار دولار، خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، بزيادة 36% عن الفترة ذاتها من العام 2023.
كما زادت إيرادات قطاع السياحة 5% إلى 6.6 مليار دولار خلال النصف الأول من العام، فضلاً عن انتعاش الاستثمارات الأجنبية مثل صفقة رأس الحكمة التي قُدّرت قيمتها بـ35 مليار دولار وتستهدف استثمارات بقيمة 150 مليار دولار.
بالمقابل، تتداخل عوامل محلية ودولية لتعطي مؤشرات يمكن أن تساعد في رسم صورة تقريبية لما سيحدث لسعر الصرف في العام 2025.
عوامل محلية ودولية
لفت خبراء مصرفيون تحدثوا لـ«إرم بزنس» إلى استمرار ارتفاع معدلات التضخم السنوي عند مستويات 26.5% متجاوزة المعدل المستهدف للبنك المركزي 9% في المتوسط، ومسار سعر الفائدة في العام المقبل، واستثمارات الأجانب في أذون الخزانة والتي تُقدّر بـ37.5 مليار دولار منذ تحرير سعر الصرف في مارس الماضي.
كما أشاروا إلى عوامل دولية كتصاعد التوترات الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط، بعد التحرك السريع للفصائل المسلحة في سوريا وصولاً إلى إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب استمرار حرب غزة ولبنان، وارتفاع معدلات التضخم العالمي، وتقلبات أسواق النفط.
تداعيات خفض الفائدة
رأى الخبير المصرفي الدكتور أحمد شوقي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والإحصاء، أن «البنك المركزي المصري» بصدد اتخاذ قرار بخفض أسعار الفائدة في عام 2025، تماشياً مع التوجهات العالمية نحو تقليص الفائدة لمواجهة التضخم، وقد يترتب على ذلك تداعيات كبيرة على حركة الدولار في السوق المصري.
وتوقع أن يؤدي هذا الخفض إلى خروج الأموال الساخنة، وهي الاستثمارات الأجنبية التي تبحث عن عوائد مرتفعة، حيث يقلل خفض الفائدة المحلية جاذبية أدوات الدين الحكومية من أذون وسندات الخزانة.
وبالتالي، سيبحث العديد من المستثمرين، سواء كانوا أجانب أو مصريين، عن فرص استثمارية أكثر جاذبية وأماناً، مثل العملة الأميركية.
وأشار شوقي إلى أن هذا التحول قد يعزز الطلب على الدولار بشكل أكبر، ما يساهم بدفع سعر العملة الأميركية إلى مزيد من الارتفاع، ويزيد من حالة الدولرة في السوق المصري، ما قد ينعكس على ارتفاع سعر الصرف بنحو 7 إلى 10%.
وتعد «الدولرة» إحدى المخاطر التي قد تتفاقم نتيجة لارتفاع سعر الدولار، خاصة في ظل تخوف الأفراد والشركات من التضخم، وتقلبات أسعار الصرف، وفي حال استمرار هذه الضغوط، قد يزيد الإقبال على شراء الدولار كحماية من تآكل القيمة الشرائية للجنيه.
ولفت إلى أن ارتفاع تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وانتعاش عوائد قطاع السياحة، يعززان احتياطيات الدولة من العملات الأجنبية، دون أن يكونا كافيين لمواجهة الضغوط المترتبة على خفض الفائدة، خاصة إذا استمرت التدفقات المالية إلى الخارج أو نحو الدولار.
دعم جزئي
رجح الخبير المصرفي أحمد آدم المدير السابق للإدارة العامة للتخطيط في البنك الوطني للتنمية، تحسن الاقتصاد المصري، نتيجة لزيادة الاستثمارات الأجنبية، والتوسع في برنامج الطروحات الحكومية.
لكنه اعتبر أن هذين العاملين قد يدعمان الجنيه بشكل جزئي، دون أن يحققا استقرار العملة بالكامل.
ولم يستبعد مزيدًا من تراجع الجنيه أمام الدولار مع استمرار العجز التجاري، وارتفاع فاتورة الاستيراد. وما لم تتمكن مصر من زيادة صادراتها، وتقليل الواردات بشكل ملموس، سيظل الطلب على الدولار مرتفعاً، ما ينعكس بالسلب على العملة المحلية، ويدفعها للانخفاض.
سداد أقساط الديون
كما رجح آدم أيضاً أن تضغط أقساط وفوائد الديون الخارجية لمصر المستحق سدادها خلال العام 2025، على الاحتياطي الأجنبي وعلى سعر الصرف، ما قد يدفع الجنيه للتراجع في قيمته بنحو 5 جنيهات كحد أقصى بنهاية العام المقبل.
وفي 3 ديسمبر الجاري، أعلن «البنك المركزي المصري» أن إجمالي قيمة الأقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر، في عام 2025، ستصل إلى نحو 22.4 مليار دولار، بزيادة 900 مليون دولار عن التوقعات السابقة.
ووفقاً للبيانات المنشورة على الموقع الإلكتروني للبنك المركزي، من المتوقع أن تبلغ قيمة الأقساط والفوائد المستحقة في النصف الأول من العام المقبل حوالي 13.778 مليار دولار، بينما ستكون في النصف الثاني نحو 8.663 مليار دولار.
كما أشار «البنك المركزي» إلى أن إجمالي الديون الخارجية على مصر تجاوز 152.9 مليار دولار بنهاية يونيو 2024، بما يعادل 38.8% من الناتج المحلي الإجمالي.
لا أزمة وشيكة
توقع الخبير الاقتصادي هاني جنينة مدير وحدة البحوث بشركة كايرو كابيتال لإدارة الأصول، أن يتحرك سعر الدولار على أقصى تقدير إلى 54 جنيهاً خلال العام المقبل.
كما استبعد تعرض مصر لأزمة جديدة في الدولار رغم وجود عجز في ميزان المعاملات الجارية بنحو 20 مليار دولار، وخسارة قناة السويس نحو 6 مليارات دولار خلال أول 8 أشهر من العام الجاري. لتراجع حركة الملاحة بها بسبب هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.
وعزا ذلك إلى ما تملكه الدولة من موارد دولارية تمكنها من السيطرة على أي أزمة محتملة في العملة الأميركية، لاسيما أن لدى المركزي احتياطيات أجنبية بـ46.9 مليار دولار حتى شهر أكتوبر الماضي.
وسبق أن أشارت وكالة «فيتش سوليوشنز» في تقرير، خلال سبتمبر الماضي، إلى احتمال تدهور سعر الصرف ليصل إلى 55 جنيهاً للدولار في حال تفاقمت التوترات الجيوساسية في منطقة الشرق الأوسط.
ورجح التقرير ارتفاع متوسط سعر الدولار مقابل الجنيه المصري إلى 50.17 جنيه في العام المالي 2025/2026، وصولاً إلى متوسط 57.63 جنيه في العام المالي 2032/2033.
تقلبات بـ5%
إضافة إلى التوقعات السابقة، تبقى تصريحات رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي التي أدلها بها نهاية الشهر الماضي، بأن الدولار قد يشهد تقلبات بنحو 5% خلال الفترة المقبلة، مؤشراً على مرونة سعر الصرف في السوق المصري.
وقال إنه لن تتكرر الأخطاء السابقة بتثبيت سعر الصرف حتى لا تحدث مشكلة ويُلْجَأ إلى تعويم آخر يفقد العملة المحلية 40% من قيمتها مثلما حدث في مارس الماضي.