«الإعلام الرقمي» يسهم فى حماية حقوق الإنسان
بدور فعال ومؤثر في تعزيز حقوق الإنسان في العصر الحديث، ساهم الإعلام الرقمي في خلق حالة حراك عالمي بفضل ما يقدمه من إمكانات تكنولوجية تتيح للأفراد والمجتمعات الوصول إلى منصات مفتوحة تساهم في التعبير الحر ونشر الوعي وكشف الانتهاكات.
وتعقد النسخة الثالثة من الكونغرس العالمي للإعلام في أبو ظبي، خلال الفترة من 26 إلى 28 نوفمبر الجاري، تحت شعار “الرؤية، التمكين، التفاعل”، لتطوير المواهب واكتساب مهارات جديدة وتعزيز الخبرات في التعامل مع التحديات الإعلامية الجديدة وكيفية استخدام آليات الذكاء الاصطناعي.
وتقدّم التكنولوجيا الرقمية في الواقع العديد من المكاسب سواء لحقوق الإنسان أو التنمية، حيث تتيح إمكانية التواصل والترابط مع الناس في جميع أنحاء العالم بشكل غير مسبوق، ومن التعبئة والإعلام والتحقيق، ومن استخدام الاتّصالات المشفّرة وصور الأقمار الصناعية وتدفق البيانات من أجل الدفاع مباشرةً عن حقوق الإنسان وتعزيزها.
وتتيح التكنولوجيا أيضا من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي أن نتوقّع انتهاكات حقوق الإنسان المحتملة في منطقة معينة ونتصدى لها، بواسطة جمع وتحليل البيانات والمعلومات التي تجري في الواقع على نطاق واسع.
وعلى صعيد آخر، تجمع الدول والأحزاب السياسية ومختلف المنظمات، لا سيما الأعمال التجارية، معلومات مفصلّة وشخصية عن المستخدمين والمستهلكين، كما يتم رصد العديد من جوانب الحياة وتخزينها واستخدامها وإساءة استخدامها رقميًّا في بعض الأحيان.
ومع استمرار الثورة الرقمية، سيزداد استخدام التكنولوجيا لأغراض مشروعة وغير مشروعة، إذ تستخدمها الدول والشركات من خلال أدوات قائمة على البيانات لتحديد الأفراد الذين تعتبر أنهم يشكلون تهديدات أمنية محتملة، بما في ذلك على الحدود وضمن أنظمة العدالة الجنائية.
كما تقيم وتصنف نظم الذكاء الاصطناعي الناس، وتتوصل إلى استنتاجات حول خصائصهم البدنية والعقلية، وتتوقّع حالتهم الطبية في المستقبل، ومدى ملاءمتهم للوظائف، وحتى احتمال ارتكابهم مخالفات، فيما يمكن استخدام ملفّات تعريف الأشخاص و”تسجيل النتائج” و”التصنيف” من أجل تقييم أهليتهم في الحصول على الرعاية الصحية والتأمين والخدمات المالية.
مكاسب حقوقية
يوفر الإعلام الرقمي مساحة لأي فرد للتعبير عن رأيه بحرية، بعيدًا عن قيود الإعلام التقليدي، مثل وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات والتي تتيح للأشخاص مشاركة تجاربهم الشخصية وآرائهم حول قضايا حقوق الإنسان، ما يخلق حالة من الزخم حول القضايا الحقوقية وبيئة تتسم بالديمقراطية للتواصل.
كما تستخدم المنصات الرقمية لتسليط الضوء على القضايا الحقوقية المختلفة، مثل حقوق المرأة، وحقوق الأطفال، وحقوق اللاجئين، ومناهضة التمييز العنصري أو الديني، وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، ويُمكن للإعلام الرقمي الوصول إلى جمهور واسع بسرعة، ما يساهم في نشر المعرفة الحقوقية حول هذه القضايا.
وبفضل الهواتف الذكية والتقنيات الحديثة، يمكن للأفراد توثيق انتهاكات حقوق الإنسان بالصوت والصورة ونشرها فورًا على الإنترنت، ما يعزز من قدرة المجتمع المحلي والدولي والمنظمات الحقوقية على التفاعل مع تلك الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها.
ويعتبر الإعلام الرقمي أيضا أداة فعالة في حشد الجهود وتعبئة الرأي العام حول قضايا حقوق الإنسان، حيث يتيح للأفراد والجماعات تنظيم حملات عالمية أو محلية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لجمع التوقيعات أو الضغط على الحكومات والمؤسسات لاتخاذ إجراءات محددة.
وبشأن التواصل مع الجهات الحقوقية، فإن الإعلام الرقمي يتيح للأفراد الوصول إلى المنظمات الحقوقية بسهولة، سواء لتقديم شكاوى، أو للحصول على دعم قانوني، أو للتعرف على حقوقهم وواجباتهم، ما يوفر آليات لتقديم الشكاوى تتسم بالسهولة وعدم التعقيد.
تحديات ومخاوف
رغم الأهمية الكبيرة التي اكتسبها الإعلام الرقمي في تمكين الأفراد وتعزيز القضايا الحقوقية المختلفة، فإنه يواجه العديد من التحديات التي تعوق دوره وتؤثر على مصداقيته وقدرته على التأثير الإيجابي، والتي تشكل تهديدا على منظومة حقوق الإنسان، إذ يعتبرها المحللون والخبراء “الوجه المظلم للتكنولوجيا”.
ويتمثل أبرز هذه التحديات في انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، وسهولة نشر الأخبار الزائفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تُعد تحديًا كبيرًا، حيث يمكن أن تؤدي المعلومات المضللة إلى تضليل الرأي العام والتأثير السلبي على القضايا الحقوقية والسياسية في المجتمعات.
كما يساهم ضعف وعي المستخدمين بأساليب التحقق من صحة الأخبار في تفاقم هذه المشكلة، إذ يتم استخدام بعض المعلومات المضللة أو المغلوطة في نشر الأخبار الكاذبة أو التحريض ضد مجموعات معينة بنشر خطاب الكراهية، لا سيما في ظل غياب سياسات فعالة لإدارة المحتوى المسيء، ما يجعل بعض المنصات الرقمية بيئة غير آمنة.
وفي ما يتعلق بالخصوصية وأمان البيانات، يُعد خرق البيانات الشخصية واستغلالها من أبرز تحديات الإعلام الرقمي، حيث يُساء استخدام البيانات الشخصية للمستخدمين لأغراض غير أخلاقية، ويتعرض المستخدمون للاختراق أو سرقة معلوماتهم، إذ تسيء بعض المنصات استخدام البيانات لتحقيق أرباح تجارية أو سياسية.
وتفرض الحكومات قيودًا صارمة على الإعلام الرقمي، مثل حجب المواقع أو فرض رقابة على المحتوى، وتُستخدم قوانين مكافحة الإرهاب أو أمن الدولة أحيانًا كذريعة لتقييد حرية التعبير عبر المنصات الرقمية، حيث تُعرّض الرقابة الصارمة الصحفيين والنشطاء للتهديد والملاحقة القضائية.
كما يمثل ضعف الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والدول النامية تحديا مؤثرا على وصول الإعلام الرقمي إلى الجميع، خاصة في ظل ضعف الاتصال بالإنترنت أو تكلفته العالية، ما يجعل الإعلام الرقمي غير متاح للشرائح الفقيرة أو المناطق الهشة في المجتمعات النامية.
تجارب في مناطق النزاع
وقالت الحقوقية السودانية، سليمى إسحاق، إن للإعلام الرقمي دورا بالغ الأهمية في تعزيز حقوق الإنسان بالعالم العربي، خاصة لما يوفره من منصات مفتوحة للتعبير ونشر الوعي وكشف الانتهاكات، من خلال الرصد والنقل والتوثيق السريع وقليل التكلفة.
وأوضحت إسحاقأن الإعلام الرقمي يضمن للمستخدمين التماساً مع قضاياهم في فضاءات أكبر وأوسع من الإعلام التقليدي، إلى جانب حفظ المعلومات بشكل أكبر وضمان بقائها وتجددها وانتشارها في فضاء أوسع.
واستشهدت الحقوقية السودانية بدور الإعلام الرقمي في بلادها، قائلة: “لولا دور الإعلام الرقمي وما ينشره عن الانتهاكات التي ترتكب، ولا أحد علم عنها شيئا، لم تكن قضية السودان محل نقاش عالمي الآن”، ولذلك فإن الإعلام الرقمي أداة مهمة لتعزيز حقوق الإنسان والإبلاغ عن الانتهاكات، وتعزز ثقافة التعافي النفسي عبر مصادر عديدة في الإعلام الرقمي متوفرة ومتجددة.
وعن مستقبل الإعلام الرقمي، ترى سليمى إسحاق أن توافر حرية الرأي والتعبير للمنصات الرقمية سيساهم في دعم حقوق الإنسان بشكل كبير، وستكون المنصات الرقمية صوتا للضحايا والأقليات لنشر الحقائق ومناهضة الأكاذيب، وفضح ممارسات أطراف الصراع في البلاد التي تشهد نزاعات وحروباً.
ومن جانبها، قالت الباحثة في الحقوق الرقمية والمنسقة الإعلامية في منظمة “صدى سوشال الفلسطينية”، نداء بسومي، إن الإعلام الرقمي خلق مساحة للشعوب العربية للتعبير عن مطالبها وحقوقها واستفادت منه على مدار سنوات، كما كان مهما وضروريا في السياق الفلسطيني منذ الحرب على قطاع غزة.
وأوضحت بسومي ، أن الإعلام الرقمي لعب دورا هاما في دعم الرواية الفلسطينية في ظل هيمنة الاحتلال الإسرائيلي وملاحقة الصحفيين ووسائل الإعلام، مقابل الانحياز العالمي لدعم الأكاذيب وأساليب التضليل الإسرائيلية.
وأضافت: “الإعلام الرقمي خلق مساحات للفلسطينيين في الداخل والخارج ليعبروا عن حقوقهم ويرفعوا صوتهم، ما دفع الاحتلال الإسرائيلي لإدراك دورهم الفعال، واتجه لقمع مشاركاتهم على منصات التواصل، وشرعن اتهامات بينها التحريض عبر منصات التواصل الاجتماعي لحجب الحقائق وملاحقة أصحابها”.
ومضت قائلة: “الإعلام الرقمي خاصة الفلسطيني والداعمين لروايته عربيا ودوليا، استطاع منذ بداية العدوان على قطاع غزة، توثيق جرائم الإبادة الجماعية الإسرائيلية المرتكبة في غزة، واستطاع أيضا أن يواجه الأكاذيب الإسرائيلية ويقدم حقائق ودلائل، ما شكل دعما عالميا لقضية فلسطين وحقوقها المشروعة”.
وأكدت أن “الإعلام الرقمي مهم للغاية، خاصة للشعوب، ولذلك لن يكون مستقبل الإعلام الرقمي ورديا في ظل تحديات عالمية عديدة، أبرزها رغبة الحكومات في فرض قيود على منصات التواصل الاجتماعي ومراقبة المحتوى، تتجاوز المفهوم المتفق عليه بضرورة وضع ضوابط للإعلام الرقمي دون المساس بحرية التعبير”.